المجوس (محاضرة لقداسة البابا شنودة الثالث )

+ المجوس من الأمم معنى أنهم يأتون سعياً وراء السيد المسيح فى مولده بكل حب وإشتياق ،هذا يمثل بدء دخول الأمم فى الإيمان .لأنهم ذهبوا إليه ورأوه وسجدوا له وأمنوا به وقدموا له الهدايا .


+ فيعتبروا أول من أمنوا من الأمم بالمسيح ، وغالباً نشروا هذا الإيمان فى بلادهم عندما رجعوا .


+ يقال أنهم كانوا من علماء الفلك ودارسين فى النجوم فالله تنازل إليهم وبدء يجذبهم بنجم ساطع نوره منبهر جداً وغريب فى تحركاته .


+ القديس يوحنا ذهبى الفم : قال أن هذا النجم ليس نجماً طبيعياً بل هو قوة سمائية ظهرت فى هيئة نجم وقدم لذلك بعض أسباب قال :


1- النجم أتى من الشرق إلى الغرب بينما طبيعة النجوم أنها تدور من الغرب إلى الشرق بعكس إتجاه النجوم .

2- هذا النجم يقف أحياناً ويسير أحياناً .

3- أن النجم فى إرشاده لمكان ميلاد المسيح نزل بشكل يُظهر المكان .


+ معنى ذلك أن قوه إلهية كانت تصاحبهم وترشدهم إلى حيث يوجد الطفل يسوع ، هؤلاء المجوس ساروا مسافات طويلة جداً .إلى أن وصلوا إلى الرب لكى يروه ويسجدوا له وبشروا له .


+ العجيب أن هؤلاء الغرباء أمنوا بينما هيرودس الملك قيل عنه أن المجوس لما أتوا إليه إضطرب وإضطربت أورشليم كلها معه .


+ هؤلاء المجوس قدموا تقديمات ذهباً ولباناًَ ومراً ولما رجعوا لأنهم أخذوا قوة روحية من مقابلة الرب يسوع ، فالله أوحى إليهم أن لا يعودوا إلى هيرودس .


+ قدموا تقديمات ذهباً ولباناً ومراً ، الذهب يرمز إلى المسيح كملك ، واللبان الذى يصنع منه البخور يرمز إلى الكهنوت أو العبادة ، والمر يرمز إلى الألم أو الرائحة الطيبة .لكن الأهم فى التقدمة نحن نعلم أن الله هو المعطى ، هو الذى يعطى كل أحد وليس نحن الذين نعطيه .


+ ولكنه مع ذلك أول درس نتعلمه من قصه المجوس أننا نقدم لله شيئاً ، والله يطلب هذه التقدمة .


+ الله منذ البدء طلب أن نقدم إليه شيئاً ، التقديم ليس معناها أن الله يحتاج لشىء، لكن عندما نقدم لله شىء تظهر عوطفك نحو الله ومحبتك نحو الله وصلتك به.تكون بينك وبينه علاقة.


+ فى العهد القديم نرى أن الله طلب أن يُقدم له التقديمات والذبائح والمحرقات وأن يقدم له البكور والنذور وأيضاً البكور ، ليس فقط بكور ماتملكه وإنما بكور الوقت أيضاً.


+ بمعنى تعطى أول وقت فى يومك لله ، يالله أنت إلهى إليك أبكر وفى بكور الوقت أيضاً نعطى يوم فى الآسبوع لله .وفى العطاء أيضاً نعطى خدمة لأولاد الله أى ان كان نقدم لله فى شخصه من جهه الحب ومن جهة الله يقول يا إبنى أعطنى قلبك .ونقدم لله فى شخص أبنائه فى العناية بالفقراء والمحتاجين.


+ لكن نرجع إلى تقدمه المجوس وكيف كانت تنطبق ؟

+ كانت تنطبق حتى فى حياة السيد المسيح نفسه وفى صفاته .

+ ذهباً ولباناً ومراً ، الذهب يرمز إلى العظمة وإلى المُلك والسيد المسيح كان ملكاً وبخاصة على الصليب يقول المزمور ( الرب قد ملك على خشبة ) . أو بدء ملكوته على الصليب .


+ كما أنه على الصليب قيل عنه يسوع الناصرى ملك اليهود ، وهو يريد أن يملك على قلوبنا وعلى أفكارنا وعلى حواسنا وعلى حياتنا كلها ، فيعتبر الذهب رمز إلى ملكوته ، ونحن فى الصلاة الربانية بإستمرار نقول ليأتى ملكوتك .


+ من جهه اللبان ، اللبان هو التى يُصنع منه البخور يرمز للصلاة ، يرمز للكهنوت يرمز إلى العبادة ، السيد المسيح كان اللبان فى حياته يمثل كهنوته كملكى صادق على طقس ملكى صادق.


+ يمثل أيضاً حياته على الجبل فى بستان جيثمانى الخلوة مع الآب فى الصلاة والتأمل ، اللبان يمثل شىء آخر ، أن اللبان لكى يصير بخوراً لابد أن يحترق فى مجمرة فيمثل الألم ويمثل العبادة لأن حبة البخور وهى اللبان لايمكن أن تعطى بخوراً إلا لو إحترقت بالنار وهذه تمثل الحرارة الروحية .وتمثل أيضاً بذل الذات لأن حبة البخور تبذل ذاتها إلى أن تنتهى لكى تقدم رائحة طيبة .


+ ومن جهة أن المسيح كان من ناحية الكهنوت والعبادة كان كاهناً وكان ذبيحة .


+ من جهة المر ، المر له صفتان المر عبارة عن عطر سائل يعطى رائحة طيبة ، ونفس الوقت مر فى مذاقه ، فمن جهة رائحته المر ذكى الرائحة ومن جهة مذاقه هو مر ، فهو يرمز للألم ، وإلى أن رائحة الألم رائحة طيبة ترتفع أمام الله .


+ إبراهيم أبو الأباء كان فى حياته العظمة التى تمثل المُلك، دخل فى حرب بين أربع ملوك وخمس ملوك وإنتصر ورد سبى لوط وسبى أهل سدوم ، فكانت له العظمة التى يمثلها الذهب وأيضاً كان كاهناً للأسرة .


+ فهذا كان يمثل اللبان وكانت فى حياته بعض المتاعب كالتجارب التى حلت به تمثل المر .


+ أيوب أب الأباء أيضاً كان الذهب فى حياته لأنه كان أعظم بنى المشرق فى غناه فى عظمته فى كرمه ، فى حياته كان وجود الذهب يمثل العظمة وكان موجود المر فى تجربة أيوب وكانت موجوده العبادة التى يمثلها اللبان .


+ الذى شهد له الرب أنه كان رجلاً كاملاً مستقيماً ويحب الله ويحيد عن الشر ، نفس الوضع بالنسبة لداود النبى الذهب فى حياته كان المُلك كان رجل ملك ، واللبان فى حياته يمثل العبادة فى المزامير التى كان ينشدها ويقول ( فلتستقم صلاتى كالبخور قدامك وليكن رفع يدى كذبيحة مسائية) (مزمور 141 ) .


+ المر فى حياته واضح ، ذاق الم من شاول الملك فى إضطهاده له ، وذاق المر من إبناى رئيس الجيش ومن شمعى بن جيرا ومن إبنه أبشالوم لدرجة أنه قال أكثر من شعر رأسى الذين يبغضوننى بلا سبب.


+ فكل أولاد الله مع عظمتهم التى يمثلها الذهب ، كان هناك المر فى حياتهم وكانوا يفرحون بالمر ( إحسبوه كل فرح ياأخوتى حينما تقعون فى تجارب متنوعة) ( يع 1: 2) .


+ بولس الرسول فى حياته كان الذهب من ناحية صعوده إلى السماء الثالثة وسمع أشياء لاينطق بها ، ومن ناحية أنه كان يتكلم بألسنة أكثر من الجميع ، وكان اللبان يتكلم باألسنة أكثر من الجميع .


+ وكان اللبان فى حياته يمثل كهنوته لأنه كان رئيس كهنه ، وله أولاد أساقفة ، والمر واضح كان يتكلم كثيراً عن متاعبه كحزانى ونحن دائماً فرحون كأن لاشىء لنا ونحن نملك كل شىء .


+قال ( فى السجون والضيقات مراراً كثيراً )، كان كل واحد من هؤلاء حياته (الذهب واللبان والمر ) وهكذا كل مسيحى من الضرورى أن يكون الثلاثة أشياء ( الذهب واللبان والمر ) فى حياته .


+ فمثلاً أنت فى حياتك عندما تقدم لله الذهب ليس معناه المال فقط ، بل تقدم له أثمن ماعندك كما قيل عن هابيل البار أنه قدم لله من أبكار غنمه ومن سمانها أفضل ماعنده ولكن لاتخجل إذا كانت تقدمتك ضعيفه أو قليله .


+المهم أنك تقدم ، بدليل الأرملة التى قدمت فلسين ، الله فرح بتقدمتها وقال أنها قدمت أعظم من الكل أو قدم لله الذى تستطيع أن تقدمه .


+ قدم صلاه ولو فاتره من أجل إخلاصك، الله سيعطيك الحرارة فى الصلاة فيما بعد، قدم له توبة ولو ضعيفة الله سيشجعك لكى تكون توبتك قوية ومن كل قلبك قدم له ضعفك لكى يعمل الله فيك ويعطيك القوة من عنده .


+ المهم أن تقدم لله ماتسطيعه وتقدم له فى شخص أولاده ( أخوة الرب ) لأن الله قال عن هؤلاء بماأنكم فعلتموه بأحد هؤلاء الأصاغر ، فبى قد فعلتم لأنى كنت جوعاناً فأطعمتمونى ، عطشت فسقيتمونى كنت غريباً فآويتمونى ، عرياناً فكسوتمونى ، مريضاً فزرتمونى محبوساً فأتيتم إلى ( مت 25 – 35 : 37 ).


+ المر فى حياتك يمثل العبادة ، نقول عن الكنيسة المر والميعة والسليخة من ثيابك ويقول العبادة" كأعمدة دخان معطرة بالمر واللبان وكل أذرة التاجر" ( نشيد الأنشاد 6:3) فإذا كان المر يرمز للعبادة ويرمز للألم فالكنيسة تتعطر بالآلام.


+ مثلما قيل عن الشهداء وهم أرقى درجة من درجات المؤمنين ، بولس الرسول يقول لأعرفه وقوة قيامته وشركة الآمه ادخل فى هذا المر لاتذوق الحياه مع المسيح.


+ ويمكن أن يكون المر هو الصليب الذى تحمله من اجل الرب ومن أجل تقواك وبرك , واللبان الذى يمثل البخور يمثل الصلوات الصاعدة كرائحة بخور .


+ كما قيل فى سفر الرؤيا عن البخور إنه صلوات القديسين , وتعتبر الصلوات كذبيحة .


+ بولس الرسول فى رومية" فاطلب إليكم ايها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم كذبيحة حية مقدسة مَرضّية عند الله" ( 12: 1).


+ الله يقبل الحب والقلب والعاطفة والمشاعر هذا الذى تقدمه لله , إن لم تستطيع أن تقدم ذاتك نفسها كما قدم الشهداء ذاتهم وكما قال السيد المسيح ليس حب أعظم من هذا أن يبذل أحد نفسه عن أحبائه.


+ إن لم تستطع فقدم على الأقل ما تستطيعه تقدم حبك وعواطفك ، تقدم عشورك وبكورك ونذورك ، والبكور ليس معناها فقط أول الثمار ، أو أول الإنتاج أو أول المرتبات إنما بكور الوقت ايضاً.


+ المهم أنك فى حياتك الروحية تسأل نفسك كل يوم ما الذى إستطعت أن أقدمه لله ؟فى هذا اليوم سواء له شخصياً أو فى شخص أولاده.