البابا ديونسيوس البابا الرابع عشر
5-البابا ديونسيوس الشجاع :-
أخيرًا قبض الجند عليه مع من كانوا معه وأرسلوه إلى السجن في Taposrls، لكن استطاع شماس يدعى تيموثاوس أن يفلت من أيدي الجند، هذا التقى بشخصٍ مسيحيٍ في الطريق كان ذاهبًا إلى وليمة عرس. أخبره بما حلّ بالبابا، وإذ سمع الحاضرون انطلق الكل إلى السجن، فهرب الجند تاركين الأبواب مفتوحة. وإذ دخلوا السجن وجدوا البابا نائمًا. طلبوا منه مغادرة السجن فرفض حتى اضطر الشعب أن يحمله من يديه ورجليه ويدفعونه دفعًا، فذهب معهم إلى داره.
في عام 257م حدث أيضًا اضطهاد أثاره الإمبراطور فاليريان فاستدعاه الوالي إميلينوس Aemilianus ومع الكاهن مكسيموس والشمامسة فوستوس ويوسابيوس وشيريمون. وإذ طلب الوالي من البابا أن يترك عمله أجاب: "ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس"، فنفاه إلى قرية صحراوية تسمى خفرو Cephrs، هناك استطاع أن يبشر بين الوثنيين بالرغم مما عاناه من اضطهادات.
فاضطر الوالي أن ينفيه إلى صحراء ليبيا في Collutho. لم يقف عمله هناك على عقد اجتماعات، والكرازة بالمسيحية بين الوثنيين، بل أجهد نفسه في خدمة كنيسته بالإسكندرية (بالرسائل) ليحفظ الخدمة
حدثت أيضًا اضطرابات جديدة، إذ هوجمت مدينة الإسكندرية من الجنوب بواسطة قبائل بربرية. كذلك أعلن والي مصر إميلينوس في الإسكندرية نفسه إمبراطورًا. فنشبت حرب مدنية انتهت بأسره بواسطة القائد الروماني ثيؤدوتيوس الذي أرسل المتمرد مقيدًا إلى روما.
خلال هذه الحرب دُمرت المدينة، وحلّت مجاعة، وانتشرت الأوبئة. تحدث البابا عن هذه الاضطرابات في رسالته الفصيحة الدورية عام 263م جاء فيها: "قد يبدو أن الوقت غير مناسب للعيد... فنحن لا نرى إلا الدموع، الكل ينوح، والعويل يسمع كل يوم في المدينة بسبب كثرة الموتى... بعد هذا حلّت الحرب وحدثت المجاعة
تحملنا هذين الأمرين سويّا مع الوثنيين... لكننا فرحنا بسلام المسيح الذي وُهب لنا نحن وحدنا. كان أكثر الأخوة أسخياء جدًا في محبتهم الزائدة وعطفهم، فازدادت رابطتهم مع بعضهم البعض، فكانوا يفتقدون المرضى بغير تخوّف، ويخدمونهم بصفة مستمرة. يخدمونهم في المسيح
أما الوثنيون فكانوا ينفرون من المرضى ويطرحونهم في الشوارع بين أموات وأحياء! في نهاية كل اضطهاد كان البابا ديونيسيوس يواجه مشكلة المرتدّين. كان يضمهم، بل غالبًا ما كان يمنع إعادة معمودية حتى الهراطقة أو المنشقين الراجعين مع أن الكنيسة فيما بعد لم تستقر على ذلك.
6-البابا ديونسيوس ومعمودية الهراطقة :-
مركز ديونيسيوس العظيم مع قدرته وعلمه واعتداله الممتاز جعله موضع التماس أن يتدخل غالبًا في كل الصراعات الهامة التي ثارت في الكنيسة في أيامه. ففي الانقسام الخاص بنوفاتيوس الذي سيم على كرسي رومًا بطريقة غير شرعية، التجأت جميع الأطراف إليه، كما انشغل بهرطقة نيبوس أسقف أرسينو بالفيوم، وسابليوس أسقف بتولمايس (المدن الخمس الغربية) وبولس السموسطائي. وساطته بين كبريانوس واسطفانوس كان القديس ديونيسيوس رجلاً كنسيًا هامًا، له عمله حتى خارج نطاق إيبارشيته. كمثال توسط في النزاع الحاد الذي قام بين كبريانوس أسقف قرطاجنة وإسطفانوس أسقف روما، وذلك بخصوص معمودية الهراطقة.
فبالنسبة لكبريانوس معمودية الهراطقة والمنشقين باطلة، لأنهم خارج الكنيسة، ولا خلاص خارج الكنيسة، فإنه لا يستطيع أحد أن يتخذ الله أبًا له إن لم تكن الكنيسة هي أمه. فالتائب، في الحقيقة، لا تُعاد معموديته، إنما يُحسب أنه يتقبل المعمودية للمرة الأولى، أما معموديته السابقة فهي باطلة كأن لم تكن. أما إسطفانوس أسقف رومية فقد رأى أن كل معمودية تتم باسم الثالوث القدوس صحيحة حتى إن تمت بيد هراطقة، فلا تُعاد معمودية الراجعين إلى الكنيسة من الهراطقة إنما يُكتفي بوضع الأيدي والصلاة عليهم. وقد ساعد على اشتعال النار ظهور بدعتين.
1: بدعة نوفاسيتوس الأسقف الروماني الدخيل القائل بعدم قبول توبة جاحدي الإيمان ووجوب إعادة الذين تعمدوا بيد هراطقة بل وعماد الأرثوذكس الذين تساهلوا في قبول الهراطقة التائبين... وكان لذلك رد فعل عكسي في روما، الأمر الذي سبب وجود فريقين في روما فكتب كهنة روما إلى كبريانوس يسألونه فأجابهم: "إن المعمّدين بيد هراطقة هم وحدهم يجب إعادة معموديتهم، أما الذين قبلوا الإيمان من الكنيسة الأرثوذكسية فعمادهم صحيح. كما قال:
"وأما مسألة جاحدي الإيمان التائبين فلا يخص كنيسة روما منفردة، إنما يلزم أن تحكم فيها الكنائس مجتمعه"
2 : بدعة فيلكينوس الذي علّم بالصفح عن الذين جحدوا الإيمان بمجرد شفاعة المعترفين عنهم، الأمر الذي أدى إلى رخاوة زائدة. وفى عام 253م إذ سيم إسطفانوس أسقفًا على روما شدّد في منع إعادة معمودية الهراطقة وخاطب فرميليانوس أسقف قيصرية بذلك. وإذ لم يستجب الأخير لطلبه عقد مجمعًا عام 254م قطع فيه فرميليانوس ومن وافقه من أساقفة كيليكية وغلاطية
لما هدد كبريانوس بالقطع لأنه كان متشددًا في ضرورة إعادة معمودية الهراطقة والمنشقين عقد كبريانوس مجمعًا عام 255م حكم بضرورة عماد الهراطقة ومن تعمد على أيديهم... وأرسل قرار المجمع لإسطفانوس، جاء فيه: "كل رئيس روحي حرّ في سياسة كنيسته، لأنه يقدم حسابًا عن أعماله للرب".
أما إسطفانوس فكتب إلى أعضاء المجمع يهددهم بالقطع إن لم يذعنوا لإرادته. كتب كبريانوس رسالة إلى بومبيوس أحد أساقفة أفريقيا ضد إسطفانوس، جاء فيها: " لا تجد مثل هذا القرار في الإنجيل أو في الرسائل أو في أعمال الرسل..." بعث أساقفة أفريقيا رسالة أخوية إلى الأسقف إسطفانوس يدعوه للاتحاد معهم، فلم يقابل حاملي الرسالة ولا سمح لهما بمأوى، وبعث إليهم رسالة يلقب فيها كبريانوس "الرسول الغاش والنبي الكذاب". فرد كبريانوس برسالة أخوية إلى أساقفة أفريقيا يقول فيها.
7-البابا ديونسيوس حمامة السلام في الأنشقاقات الكنسية :-
عن إسطفانوس "صديق الهراطقة وعدو المسيحيين"، كما قال: "إن هذا الأسقف الضال إسطفانوس دل برسالته على جهله وغباوته". وكاد الشقاق يتزايد ويستفحل لولا تدخل البابا ديونيسيوس الذي كتب رسالة إلى الأسقف إسطفانوس يظهر كيف اتحدت الكنائس في الشرق وأن الكل بفرح متفقون في الرأي، طالبًا منه ألا يسبب شقاقًا.
وقد رأى البعض مثل Wand أن ديونيسيوس قد شارك إسطفانوس رأيه لكنه لم يشاركه عنفه وحدته، فحاول التوسط بين الطرفين. إن كان قد قرر ألا يعيد معمودية الهراطقة والمنشقين لكنه لم يقطع علاقته بالكنائس التي تعيد المعمودية، حاسبًا أن الأمر يترك لكل كنيسة.
وفى كتاب "الخريدة النفيسة في تاريخ الكنيسة" للأسقف إسيذورس قصة تظهر تخوّف ديونيسيوس من إعادة المعمودية خاصة إن كان الشخص قد أعتاد على التناول من الأسرار الإلهية في الكنيسة الأرثوذكسية. فإنه بعد نياحة الأسقف إسطفانوس واجه البابا ديونيسيوس مشكلة وهي أن مؤمنًا من الإسكندرية جاءه يبكي بمرارة متوسلاً إليه أن يعيد معموديته، لأنه كان قد تعمّد بيد هراطقة منذ زمن طويل واعتاد التناول من الأسرار المقدسة في الكنيسة بعد توبته
لكنه كان قلقًا للغاية. أما القديس ديونيسيوس فلم يجسر أن يعمّده لأنه كان يشترك في التناول في الكنيسة. لكنه تحت ضغط القلق الشديد والبكاء المستمر كتب إلى أخيه سكستوس أسقف روما يطلب رأيه. على أي الحالات يليق بنا أن ندرك بأن الكنيسة في الشرق والغرب استقرت على رأى القديس كبريانوس، أي اعتبار معمودية الهراطقة والمنشقين غير قائمة. مع نيبوس أسقف أرسينو في رحلته الرعوية لمدن إيبارشيته التقي البابا بنيبوس أسقف أرسينو بالفيوم، الذي استخدم سفر رؤيا يوحنا في تأكيد آرائه في الملكوت الألفي المادي بطريقة يهودية، فيه يأتي السيد المسيح على الأرض ليملك كأحد الملوك.
في كتاب له يرفض فيه التفسير الرمزي لأوريجينوس A Refutation of the Allegorists. دعا البابا مجمعًا محليًا في أرسينو وأوضح للأسقف وأتباعه كيف أن ملكوت الله روحي، وأن المؤمنين لا يترجون أي ملكوت زمني أو ملذات أرضية، وكان يتحدث معهم بروح الحب في وداعة فاقتنعوا بكلماته. وإذ عاد إلى الإسكندرية كتب البابا كتابين عن "المواعيد" جاء فيهما: "إنه ليسعدني أن أصف ما رأيته من إخلاص أبنائي أهالي أرسينو ومحبتهم وذكائهم. فقد تبادلنا الآراء بصبرٍ وجلدٍ، ولم ندع صغيرة أو كبيرة إلا وبحثناها بحثًا مستفيضًا. ومما يسرني أن أبنائي حين وقفوا على ما هم فيه من خطأ أعلنوا ذلك جهارًا في غير حياء ولا تردد.
وفى طليعة المعترفين بخطئهم كوراسيوس الكاهن الذي أقام المثل الحي الدال على إخلاصه للحق. كما يسرني ما بدا من أبنائي أهل أرسينو إذ نسبوا نقضي للبدعة الألفية إلى إخلاصي الأبوي". وبعد تفسيره الإصحاح العشرين من سفر الرؤيا أشار إلى مواعيد الله لشعبه، ثم ذيل الرسالة بمدحه للأسقف نيبوس قائلاً: "إنني أحب نيبوس وأمتدحه، لأنه يسعى بكل جهده للوقوف على الحقيقة. وأمتدحه أيضًا للترانيم الروحية التي وضعها ليترنم بها الشعب في حفلاته.
غير أن محبتي للحق تفوق محبتي لنيبوس، لذلك بادرت إلى دحض بدعته لإرشاده وإنارته". حقًا كم كان تاريخ الكنيسة قد تغير لو أن كل الصراعات عولجت هكذا بالروح الهادئ اللطيف؟! مع الهرطوقي سابيفيوس جاء إلى مصر رجل من روما ينشر بدعة تسمى "مؤلمي الآب"، يعتقد أصحابها بأن الله أقنوم واحد، وهو الذي كفّر عن خطايا البشر... بهذا يكون ألآب قد تألم... قاوم البابا هذا الضلال، وأرسل منشورًا إلى الأسقفين أمونيوس وأفراندر، كما حرّم سابيليوس في مجمع عقده عام 261م بعد أن فنّد تعاليمه الفاسدة.
التجأ أتباعه إلى الأسقف الروماني ديونيسيوس الذي كان شابًا قليل الخبرة، فعقد مجمعًا حرّم فيه بابا الإسكندرية وأرسل إليه يخبره بالحكم ويسأله إن لديه ما يدافع به عن نفسه. لكن بابا الإسكندرية بحكمته بعث برسالة أوضح فيها ما عسر عن فهم الأسقف الروماني، فاستراح الأخير إليها. وقضت الرسالة على ما يسميه المؤرخين "نزاع الديونيسيين"، وشعر الروماني بتسرعه فاحترم الإسكندري، ووقف بجانبه في دحض بدعة بولس السومسطائي أسقف إنطاكية. كتاباته كتب الكثير، لكن للأسف لم يبقَ إلا شذرات حُفظت خلال كتب .